لهذه الأسباب نتضامن مع سوريا
د.نسيب حطيط
قبل الحركة التصحيحية للمرحوم الرئيس حافظ الأسد، كانت دوامة الإنقلابات العسكرية تطغى على تداول السلطة في سوريا ،حيث لا تتجاوز فترة الرئاسة شهرين إلى سنة (حواي ثماني انقلابات ) وفي العام 1949 حدثت ثلاثة انقلابات مع ما رافقها من سجن وعدم إستقرار ، ، بينما نعمت سوريا بالإستقرار والنمو الإقتصادي بعد إستقرار نظامها وتطور دورها السياسي كدولة رئيسية وأساسية في الشرق الأوسط متجاوزة كل الحصار السياسي والإقتصادي متمسكة بدورها الداعم لحركات المقاومة خلاف كل دول(الإعتدال)العربي بما أثر على منظومتها الداخلية الأمنية(دولة مواجهة مع إسرائيل وأميركا على حدودها في العراق و على المتطلبات المعيشية والإقتصادية، مما ألغى وجود الكماليات المعيشية ،والإكتفاء بالضروريات وتقييدا الحريات بدافع الخوف من الإختراق أو الفوضى في بلد يعيش التهديد اليومي من إسرائيل وأميركا وحلفائها العرب،ولذا فإن الحراك السوري المعارض لا يشبه حتى اللحظة حراك الثورات العربية ويمكن رصد هذه الفوارق كما يلي:
- عدم التناقض بين الموقف الشعبي والنظام في القضايا القومية لجهة تأييد (النهج المقاوم والممانع) وعدم الإنجرار وراء الخداع الأميركي.
- عدم شمولية الحراك الشعبي كل الفئات الشعبية(.مثقفون - طلاب – نقابيون- تجار- عمال....)كما في مصر وتونس والبحرين واليمن وليبيا ،بل اقتصارها على فئة شعبية من الفلاحين والكسبة وأتباع الفكر الديني السلفي والمجموعات المسلحة.
- مصادرة التحرك من جهات تعيش في المنفى(عبد الحليم خدام-رفعت الأسد -الأخوان المسلمين – القرضاوي – شخصيات أخرى)وبعضها كان مسؤولا مع النظام لأكثر من عشرين عاما بينما الثورات العربية الأخرى تحركها قيادات الداخل وظاهرة للعيان وليست وهمية أو صنيعة الفضائيات والفايسبوك وغيره.
- محاولة المؤسسة الدينية الخارجية(الشيخ يوسف قرضاوي) إثارة الموضوع الطائفي(العلويين-السنة)في سوريا كما في البحرين بإتهام المعارضة بالمذهبية ضد السنة، بينما توحد المصريون عكسيا (الأقباط مع الأخوان المسلمين مع العلمانيين) وعا القرضاوي لإثارة الجدال الطائفي بتصريحه ،بعدم جواز أن يكون رئيس الجمهورية المصرية قبطيا أو علمانيا بل مسلما متدينا، والثورة لا زالت في أيامها الأولى ولا يمكن إلهائها ولا زال نظام مبارك يسيطر على الدولة ومؤسساتها.
- التدخل الأميركي والغربي والعربي المباشر ضد النظام السوري إستكمالا للحصار عليها منذ إغتيال الرئيس الحريري عام2005، إما لتطويعه وإرغامه على فك تحالفاته مع إيران و حركات المقاومة،،وإلا فإنه سيتعرض للضغط الأمني والسياسي وإلغاء فعاليته الاقليميمة ،تمهيدا لسقوطه بما يشبه حالة العراق الأمنية والسياسية .
ولقد تمايز النظام السوري وقيادته عن انظمة مبارك وبن علي وملوك وامراء الإعتدال العربي بالمواقف الوطنية والقومية وفق التالي:
- لقد حضنت سوريا فصائل المقاومة الفلسطينية المعارضة لإتفاقيات( أوسلو) ،لحماية قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني، وعندما طردت قيادات حماس وبقيت في الطائرات لا يستقبلها أحد من العرب(السنة)فتحت سوريا ذراعيها واحتضنت المقاومين ولا زالت.
- لقد حمت سوريا ودعمت المقاومة في لبنان، وفتحت حدودها للمهجرين اللبنانيين في الحرب الإسرائيلية عام2006 ودعمت المقاومة مع كل الضغط والحصار، بينما أقفل حسني مبارك(السني)حدود(غزة)أمام الحجاج والخبز والدواء والقوفل الإنسانية.
- لقد استقبلت سوريا المهجرين العراقيين على خلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والحزبية قبل وبعد الإحتلال الأميركي ولا زالت تدعم المقاومة العراقية مع كل الترغيب والترهيب الدولي والعربي.
إن شعار حفظ حقوق (السنة)شعار أميركي وهمي، فهناك مصطلح(السنة) السياسي والمصطلح(الشيعي)السياسي كمفاتيح للتحريض والفتنة المذهبية وهناك مصطلح(السنة والشيعة)العقائدي الذي يختص بالمسلمين وهذا شأن داخلي وفقهي للعلماء وليس للجهلة والتكفيريين والعوام، وإذا كانت أميركا حريصة على(السنة)فلماذا تقصف(غزة)(السنية)والفلوجة(السنية)وأفغانستان(السنية)وإذا كانت أميركا حريصة على الشيعة فلماذا تقصف إسرائيل بضغط أميركي(حزب الله)الشيعي وتحاصر إيران(الشيعية) وتقمع البحرين للسنة والتيار الصدري(الشيعي)في العراق.
بناء على هذه المعطيات والوقائع ،فإن التحرك السوري المعارض لن يحقق ما وصلت إليه ثورتي تونس ومصر مع كل الدعم الأميركي لتحويل سوريا إلى ساحة تشبه الساحتين الليبية والعراقية ،فقد امسك النظام بزمام الأمور، بمبادرة النظام بشخص الرئيس بشار الأسد إلى محاولة فصل المطالب المحقة للمواطنين(الإصلاح-محاربة الفساد – الحريات)عن المؤامرة الخارجية الداعية لإسقاط النظام أو تدجينه وفصل تحالفاته مع حركات المقاومة ودول الممانعة ، حيث بادر لفتح الحوار المباشر مع الفعاليات الشعبية والدينية لترسيخ هذا والتعاون للإسراع بالإصلاح وحمايته من المتضررين سواء في النظام أو مراكز القوى ،بالتزامن مع التصدي للمؤامرة الخارجية وحماية المبادئ والموقف الوطني والقومي.
إن غباء وتورط المعارضة بالعمل المسلح بشكل سريع ،خلافا لكل الثورات التي استمرت في حراكها السلمي ،قد كشف الخيوط الخارجية للتحرك وأهدافه السياسية الحقيقية المختبئة وراء المطالب الإصلاحية والمعيشية
إن أميركا ضد الإسلام(السنة والشيعة) وهي مع الكيان الإسرائيلي وتكاد تتحول أميركا إلى (إمام)لبعض المسلمين وسفراؤها ووزراؤها صاروا (مفتين ) في الإسلام السياسي والعقائدي.
واجبنا كمواطنين وقوميين ومسلمين أن نقف مع سوريا ضد المؤامرة الخارجية ،وأن نقف مع سوريا لتطوير الإصلاح وتنظيم(الحريات)بعيدا عن الديمقراطية الإنفعالية أو الفوضوية ،وبعيدا عن الخوف من الإنفتاح لأن بقاء سوريا قلعة للمانعة والمقاومة أساس لإستعادة فلسطين واستعادة هوية الأمة ،وعلى بعض القوى الفلسطينية خاصة ،أن لا تقف على "التل" بانتظار جلاء الغبار بل عليها توظيف علاقاتها بالأخوان المسلمين والحركات السلفية إن وجدت لإظهار الحقيقة والمخاطر المحدقة بالجميع.